سترة المصلي
مثل ابن الصلاح للاضطراب قائلاً : (( ومن أمثِلتِه : ما رويناه عن إسماعيل بن أمية ( ) ، عن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد
ابن حريث ( ) عن جده حريث( ) ، عن أبي هُرَيْرَة ، عن الرسول في المُصَلِّي : (( إذا لَمْ يجد عصاً ينصبها بَيْنَ يديه فليخط خطاً )) فرواه بشر ( ) بن المفضل ( ) ، وروح ( )
ابن القاسم ( )، عن إسماعيل هكذا ، ورواه سُفْيَان الثَّوْرِيّ ( ) عَنْهُ ، عن أبي عَمْرو
ابن حريث ، عن أبيه ، عن أبي هُرَيْرَة . ورواه حميد ( ) بن الأسود ( ) ، عن إسماعيل ، عن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد بن حريث بن سليم ، عن أبيه( )، عن أبي هُرَيْرَة .
ورواه وهيب( )و( )عبد الوارث( )، عن إسماعيل، عن أبي عَمْرو بن حريث، عن جده حُريث( ). وَقَالَ عَبْد الرزاق( )، عن ابن جريج: سَمِعَ إسماعيل ، عن حريث بن عَمَّار ، عن أبي هُرَيْرَة . وفيه من الاضطراب أكثر مِمَّا ذكرناه( )، والله أعلم )) ( ) .
وَقَدْ أطال الحافظ العراقي النفس في ذكر أوجه الخلاف الواردة في هَذَا الحَدِيْث( )، وكأنه ينحو منحى ابن الصَّلاح في عدِّ هَذَا اضطراباً ، وَقَدْ تعقّب الحافظُ ابنُ حجر العسقلانيُّ الحافظين الجليلين ابن الصَّلاح و العراقي ، فَقَالَ : (( جَمِيْع من رَواهُ عن إسماعيل بن أمية، عن هَذَا الرجل إنما وقع الاختلاف بينهم في اسمه أو كنيته. وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هُرَيْرَة بلا واسطة وإذا تحقق الأمر فِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حقيقة الاضطراب ، لأن الاضطراب هُوَ : الاختلاف الَّذِي يؤثر قدحاً. واختلاف الرواة في اسم رَجُل لا يؤثر ؛ ذَلِكَ لأَنَّهُ إن كَانَ ذَلِكَ الرجل ثِقَة فَلاَ ضير ، وإن كَانَ غَيْر ثِقَة فضعف الحَدِيْث إنما هُوَ من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثِّقات في اسمه فتأمل ذَلِكَ . ومع ذَلِكَ كله فالطرق الَّتِي ذكرها ابن الصَّلاح ، ثُمَّ شَيْخُنَا قابلة لترجيح بعضها عَلَى بَعْض ، والراجحة مِنْها يمكن التوفيق بينها فينتفي الاضطراب أصلاً ورأساً))( ).
أقول: كلام الحافظ ابن حجر صواب، إذ إن الأصح عدم التمثيل بهذا الحَدِيْث ؛ لأن حريثاً مَجْهُوْل لا يعرف( ) ، وعلى فرض التسليم بصحبته –فيكون عدلاً- فإن الرَّاوِي عَنْهُ مَجْهُوْل لَمْ يرو عَنْهُ غَيْر إسماعيل بن أمية ، لذا فإن كلام الحَافِظ ابن حجر صواب ، فاختلافهم كَانَ في تسمية ذات وَاحِدَة فإن كَانَ ثِقَة لَمْ يضره الاختلاف في اسمه، وإن كَانَ غَيْر ثِقَة فَقَدْ ضعف لغير الاضطراب . و الحال هنا كَذلِكَ ( ) .
وعند تحقيقنا لكتاب " شرح التبصرة والتذكرة " للحافظ العراقي وقفنا عَلَى تعليقة جاءت في حاشية إحدى النسخ( ) نصها : (( هَذَا الحَدِيْث صححه الإمام أحمد ، وابن حبان ، وغيرهما من حَدِيث أبي هُرَيْرَة ، وكأنهم رأوا هَذَا الاضطراب لَيْسَ قادحاً )) .
أقول: تصحيح الإمام أحمد نقله عَنْهُ ابن عَبْد البر( )، أما تصحيح ابن حبان فَهُوَ أَنَّهُ خرجه في صَحِيْحَه ( )، وصححه كَذلِكَ ابن خزيمة ( )، وعلي بن المديني ( )، وَقَالَ ابن حجر : (( هُوَ حَسَن ))( ).
عَلَى أن آخرين قَدْ ضعفوا هَذَا الحَدِيْث مِنْهُمْ ابن عُيَيْنَةَ ( )، وَقَالَ السرخسي: (( هَذَا الحَدِيْث شاذ )) ( ) . قَالَ ابن حجر : (( أشار إلى ضعفه سُفْيَان بن عيينة، و الشَّافِعيّ و البَغَوِيّ ، وغيرهم( ) )) . وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : (( وإن كَانَ جاء بِهِ حَدِيث وأخذ بِهِ أحمد بن حَنْبَل فَهُوَ ضَعِيْف )) ( ) . وضعفه كَذلِكَ النَّوَوِيّ ( ) .
أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء
(حكم استتار المصلي بالخط إذا لَمْ يجد مَا ينصبه )
وَقَدْ ترتب عَلَى حكم من حكم باضطراب الحَدِيْث ، اختلاف فقهي في حكم سترة المصلي ، فالسُّترة -بالضم- مأخوذة من السِّتْر ، وَهِيَ في اللغة : مَا استترت بِهِ من شيء كائناً مَا كَانَ ، وكذا الستار و الستارة، و الجمع السَّتائر و السّتـَر( ) . وَفِي الاصطلاح الشرعي : هِيَ مَا يغرز أو ينصب أمام المصلي من عصا أو غَيْر ذَلِكَ ، أو مَا يجعله المصلي أمامه لمنع المارين بَيْنَ يديه( ) .
والسترة في الصَّلاَة مشروعه لمنع المارين ، قَالَ ابن عَبْد البر : (( السترة في الصَّلاَة سنة مسنونة معمول بِهَا ))( ) ، وَقَدْ وردت أحاديث صَحِيْحَة بِهَا( ) ، وَقَدِ اختلف أهل العِلْم فيمن لَيْسَ لديه شيء يجعله سترة لَهُ ، هَلْ يشرع لَهُ أن يخط خطاً ؟ فَقَدْ ذهب الأوزاعي( )، وسعيد بن جبير ( ) ، والإمام أحمد ( ) ، و الشَّافِعيّ في القديم ( )، وأبو ثور( ) إلى أن المصلي إذا لَمْ يجد مَا يستتر بِهِ يخط خطاً .
والحجة لَهمُ الحَدِيْث السابق ، قَالَ ابن عَبْد البر : (( هَذَا الحَدِيْث عِنْدَ أحمد بن حَنْبَل ، ومن قَالَ بقوله حَدِيث صَحِيْح ، وإليه ذهبوا ، ورأيت أن عَلِيّ بن المديني كَانَ يصحح هَذَا الحَدِيْث ويحتج بِهِ ))( ) .
وذهب آخرون إلى عدم مشروعية الخط في الصَّلاَة ، مِنْهُمُ : الليث بن سعد ( ) والإمام مَالِك ، وَقَالَ : (( الخط باطل )) ( ) . والإمام أبو حَنِيْفَة وأصحابه ( )، والإمام الشَّافِعيّ بمصر ، وَقَدْ قَالَ : (( لا يخط بين يديه خطاً إلا أن يَكُون في ذَلِكَ حَدِيث ثابت فيتبع ))
الدكتور
ماهر ياسين الفحل
العراق /الأنبار/الرمادي/ص .ب 735